عقيل من طلابي الذين أفخر بهم، استطاع في فترة وجيزة إتقان اللغة العربية، اليوم هو في المستوى B2، لكن طلاقته سبقت مستواه، كانت دروسنا تبدأ بعرض تقديمي دوري ثابت، وكان ينشط في تقديم معلومات رائقة في كل عرض، إلى أن فاجأني اليوم فأطلق برنامجا على يوتيوب باللغة العربية، يتحدث عن تجربته في تعلم اللغة العربية.
درس عقيل معي من سلسلة اللسان، في إصدارها القديم، ونظرا لدقتها ومعياريتها ما احتاج معها شيئا من المواد والأوراق التعليمية الأخرى، إذ غطت وبكفاءة عالية جميع المهارات اللغوية والثقافية والتواصلية، وأثبت لي عقيل بالأثر والنتيجة أن الأصل في تعليم العربية الاستناد لمنهج واضح معياري، دون التوليف بينه وبين ماسواه، كاحتطاب النحو أوالقراءة او المهارات الأخرى من كتب أخرى بين هنا وهناك ربما تكون هذه الكتب الأخرى كتبا لتعليم العرب لا لتعليم غير العرب، كما يحدث أحيانا في السنوات التحضيرية لتعليم العربية، حيث نرى الكتب المعتقة والأوراق الصفراء تشرح بلغة الطالب لا باللغة الهدف التي يريد تعلمها، وبالتالي نرى ارقاما في عدد الساعات وعدد المعلمين ونرى طلابا يبلغون مستويات وهمية مقابل مخرجات لا تحقق الأهداف المرجوة.
الفيديو أدناه من قناة عقيل التي أطلقها حديثا، يتحدث فيه عن فائدة تعلم الفصحى من العربية، دون اللهجات والعاميات المنتشرة في البلاد العربية.
وتدور في ذهني بعد أن تابعت فيديو عقيل عدة أسئلة من وحي ممارساتنا التعليمية في السنوات التحضيرية، وهي:
– ألا يكفي إنهاء الطالب المستوى B2 وفق مخرجات حقيقية لمتابعته سنوات الليسانس مع العلوم التي درس العربية لأجلها سواء أكانت في التربية والتعليم أم في الشريعة، إذ تتابع أغلب الجامعات تدريس المهارات اللغوية والتواصلية في سنوات الليسانس الأولى؟
– هل حقا يدعم الازدحام اللغوي من نحو وصرف الجانب التواصلي في المهارات الأربعة لدى الطالب أم يؤخرها؟ وما نراه أن أكثر الجامعات تدرس المهارات اللغوية بلغة الطالب لا باللغة الهدف.
– ألا يكفي الاعتماد على سلسلة لغوية معيارية في تحقيق المخرجات المطلوبة؟ ولماذا نرى تدريس النحو الوصفي من كتب غير السلاسل في تعليم العربية، في حين لا نرى ذلك في تعليم الإنجليزية مثلا؟ وما هو الداعي لعدم الثقة بتلك السلاسل؟ ولم تم اختيارها منهجا إن لم نثق بمخرجاتها؟
– ألم نفرط في الاهتمام بأساليب وطرق التعليم مقابل ترك الاهتمام بالتخطيط والتقييم للعملية التعليمية، فأصبح ثقل الجهود نحو الوسائل مع إغفال قياس الأهداف ومدى تحقق المؤشرات.
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تحتاج أبحاثا ودراسات بعيدة عن الأراء الهوائية التي لا تهدف إلا لتعويم منهج على حساب منهج لأسباب ربحية، أو محاباة فريق حفاظا على مصلحة من المصالح.
ومن أهم الأسباب التي جعلت من سلسلة اللسان منهجا حقيقيا يمكن الاعتماد عليه والتسليم له التوازن في معالجة المهارات، فترى الوحدة الموضوعية الواحدة فعالة في الوصول إلى جميع المهارات بانتظام موضوعي وتناغم تواصلي، إذ تتماهى المهارة اللغوية مع المهارة التواصلية فلا نحو وصفي جامد، وإنما توظيف وأداء أشبه بتوطين النحو في المهارات التواصلية، يتوازى ذلك مع تفعيل المهارات الثقافية بتزامن منضبط مع المهارات التواصلية فتأتي جميعها وحدة تكاملية سلسة جاذبة للطالب تحرضه على الوصول للطلاقة وترفع دافعيته، وتبني عنده الكفاءة اللغوية وفق مصفوفة المدى والتتابع المرتكزة على معايير واضحة المؤشرات والعلامات المرجعية.
هذا برأيي ما جعل سلسلة اللسان مع قدم إصدارها واحدة من أفضل السلاسل التعليمية المتصدرة، مع أن نصوصها شاخت وموضوعاتها هرمت، مع الزمن الطويل على إصدارها الأول، إلا أن متانة تركيبها ودقة معياريتها وسلامة معالجتها للمهارات اللغوية أبقاها وبجدارة المنهج الأول في تعليم العربية، رغم كثرة المحاولات في البلاد العربية والإسلامية لإيجاد منهج متطور يواكب ما جد بعد إصدار سلسلة اللسان، لكنها تبقى محاولات محدودة كثيرة الأوراق قليلة الجذور، والشجرة التي لا تضرب جذرا لا تؤتي ثمرا.
أرجو أن نرى في قادم الأيام تحديثا لسلسلة اللسان يواكب جديد العصر في التعليم، ويديم نفعها في طلاب العربية، وتخرج لنا حول العالم من أمثال عقيل ألف عقيل وعقيل، طلابا يحيون الفصحى في بلادهم ويزينون بها مجالسهم.